في الوقت الذي تواجه فيه إيران تحديات داخلية وخارجية، فإن خطابها العدواني تجاه الولايات المتحدة و إسرائيل قد أفسح المجال لما يبدو بأنها تريد مواجهة أقل معهما، بحسب المصادر الإيرانية، التي تحدثت لصحيفة نيويورك تاميز.
في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر 2024، أرسلت إيران مسؤولاً رفيع المستوى (مستشار مرشد إيران، علي لاريجاني، رئيس البرلمان الإيراني السابق)، إلى لبنان، لحث حزب الله على قبول وقف إطلاق النار مع إسرائيل، وفي نفس الوقت تقريباً، التقى سفير إيران لدى الأمم المتحدة، بمالك منصة X، وأحد المقربين من دونالد ترامب حاليا، إيلون ماسك، في محاولة للتقارب مع الدائرة الداخلية للرئيس المُنتخب دونالد ترامب.
في يوم الجمعة (غدا، 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2024)، ستعقد مُحادثات في العاصمة السويسرية، جنيف، مع الدول الأوروبية الثلاث E3 (ألمانيا، فرنسا و بريطانيا)، (بعد قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية)، حول مجموعة من القضايا، بما في ذلك برنامجها النووي، الشرق الأوسط، على الرغم من تهديد وزير الخارجية الإيراني، من أن عودة العقوبات الأممية على إيران، ستدفع بلاده للتوجه نحو تطوير أسلحة نووية.
كل هذه الدبلوماسية الأخيرة تمثل تغييراً حاداً في النبرة عن أواخر شهر تشرين أول/أكتوبر 2024، عندما كانت إيران تستعد لشن هجوم إنتقامي كبير على إسرائيل، حيث حذر نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، بأنه إيران لم تترك عدواناً دون رد خلال الأربعين عاماً الماضية!
إن تحول إيران من الحديث الصارم إلى نبرة أكثر تصالحية في غضون أسابيع قليلة له جذوره في التطورات في الداخل والخارج.
قال خمسة مسؤولين إيرانيين، أحدهم عضو في الحرس الثوري الإيراني، ومسؤولان سابقان، لصحيفة نيويورك تاميز، إن قرار إعادة ضبط السياسة كان مدفوعًا بفوز دونالد ترامب في الإنتخابات الأمريكية الأخيرة، مع مخاوف بشأن رئيس لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، والذي أنتهج في ولايته الأولى سياسة “الضغط الأقصى” ضد إيران.
لكن القرار كان مدفوعًا كذلك، بالتدمير الكبير الذي حصل للحزب في لبنان، من قبل إسرائيل- وهو أقرب وأهم حلفاء إيران المُتشددين – و الأزمات الإقتصادية في الداخل، حيث أنخفضت العملة بشكل مُطرد مقابل الدولار، ويلوح نقص الطاقة (الكهرباء، والغاز) في الأفق مع قرب دخول فصل الشتاء البارد.

موقع:Bonbast
قال المسؤولون الإيرانيون الحاليون المطلعون على التُخطيط للقيادة الإيرانية، لصحيفة نيويورك تاميز، إن هذه التحديات مُجتمعة أجبرت إيران على إعادة ضبط خططها، إلى أسلوب (تهدئة التوترات).
وقال المسؤولون للصحيفة:
إن إيران علقت خُططها لضرب إسرائيل بعد إنتخاب دونالد ترامب، لأنها لا تريد تفاقم التوترات مع الإدارة القادمة، هذه الإدارة التي تَصطف بمرشحين للوزراء مُعادين لإيران، ومؤيدين قويين لإسرائيل.
مع ذلك، قال المسؤولون الإيرانيين، إن خُطط دونالد ترامب المُعلنة لإنهاء الحروب في الشرق الأوسط، وأوكرانيا نالت إستحسان إيران.
قبل الإنتخابات الأمريكية، أرسلت إيران رسالة إلى إدارة الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن مفادها أنها، على عكس إدعاءات بعض مسؤولي الإستخبارات الأمريكية، لا تخطط لإغتيال دونالد ترامب.
قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقچي، يوم الأربعاء إن إيران ترحب بالهدنة بين الحزب و إسرائيل، و إن إيران تَحتفظ بحقها في الرد على الضربات الجوية الإسرائيلية على إيران الشهر الماضي، لكنها ستأخذ في الإعتبار التطورات الإقليمية مثل وقف إطلاق النار في لبنان.
سنام فاكيل Sanam Vakil، وهي مُديرة الشرق الأوسط في تشاتام هاوس Chatham House، وهي مجموعة بحثية بريطانية للسياسة، في رأيها والتي تحدثت به مع صحيفة نيويورك تاميز، تقول بأنه من الواضح أن إيران تَستجيب للتغيرات القادمة في الولايات المتحدة، فضلاً عن المَشهد السياسي الأقليمي، المتغير، الذي تواجهه الآن.
و قالت للصحيفة:
“لقد جاء كل شيء معًا، و التحول في اللهجة يتعلق بحماية مصالح إيران”.
إن النظام الإيراني (الغامض)، و الحكم المليء بالتنافسات الفئوية، يمكن أن يؤدي في بعض الأحيان إلى رسائل مُتباينة للجمهور الخارجي، و إختلافات داخلية حادة، على الرغم من أن المُرشد الأعلى للجمهورية، علي خامنئي، هو صاحب الكلمة الأخيرة في كل شيء.
توفي الرئيس المُتشدد إبراهيم رئيسي بحادث طائرة، مع وزير الخارجية، المتشدد كذلك، بسبب سوء الأحوال الجوية، بحسب التحقيقات الإيرانية، و أُنتخب المُعتدل مسعود بزشكيان في تموز/يوليو 2024، ليحل محله، بتفويض للرئيس الجديد لإحداث بعض الإصلاحات الإقتصادية، الاجتماعية و التعامل مع الغرب.
بعد أيام قليلة من الانتخابات الأمريكية، التقى سفير إيران لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرواني، بـ (ايلون ماسك)، رجل الأعمال الملياردير الذي يحظى باهتمام دونالد ترامب، ووضعه في الوزارة الجديدة (وزارة كفاءة الحكومة)، في مقر إقامة السفير الإيراني، في نيويورك، لمُناقشة الحد من التوترات مع إدارة دونالد ترامب القادمة.
وصف مسؤولان إيرانيان لصحيفة نيويورك تاميز، الإجتماع بأنه واعد.
في إيران، أبتهجت الفصائل الإصلاحية والوسطية، بهذه الأخبار، لكن المُحافظين شنوا هجوما عنيفا، ووصفوا السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة، بالخائن، في إشارة إلى نوع الصراع الداخلي الذي تواجهه الحكومة، بشأن التعامل مع أي شخص يدور ضمن فلك (دونالد ترامب)، الذي أخَرج الولايات المتحدة من الإتفاق النووي مع إيران في عام 2018، وفرض عقوبات صارمة على البلاد، وأمر بقتل الجنرال قاسم سليماني في عام 2020.
في مواجهة ردود الفعل العنيفة على الإجتماع مع ايلون ماسك، أصدرت وزارة الخارجية الإيرانية نفيًا بعد ثلاثة أيام من حدوثه.
في الأسبوع الماضي، بعد أن صوت أعضاء مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على قرار يدين إيران، لمنعها المُراقبة الدولية لبرنامجها النووي، حيث ردت إيران بتحدٍ، قائلة، إنها تعمل على تسريع البرنامج النووي، من خلال زيادة أجهزة الطرد المركزي، بحسب وكالة رويترز، فأن إيران بالفعل نصبت مجموعات من الأجهزة للتخصيب، تصل بنسبة 5 %، نسبة تخصيب لليورانيوم، بينما أصرت إيران، كذلك، على أنها مُستعدة للمشاركة المثمرة.
قال العديد من كبار المسؤولين الإيرانيين علنًا، إن إيران مُنفتحة على المفاوضات مع إدارة دونالد ترامب لحل القضايا النووية والإقليمية، وهذا بحد ذاته تحول عن موقف إيران خلال إدارة دونالد ترامب الأولى، بأنها لن تتفاوض مع الولايات المتحدة، وأن سياساتها الإقليمية وتطوير الأسلحة هي عمل خاص بها لوحدها تمامًا.
قال سيد حسين موسويان، الدبلوماسي الإيراني السابق، و المفاوض النووي الذي يعمل الآن باحثًا في الشرق الأوسط في جامعة برينستون الأمريكية، في إشارة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو:
“تُطبق إيران الآن ضبط النفس لإعطاء ترامب فرصة لمعرفة ما إذا كان بإمكانه إنهاء حرب غزة و السيطرة على نتنياهو/ و إذا حدث هذا، فسوف يفتح الطريق أمام مفاوضات أكثر شمولاً بين إيران وأمريكا”
بعد أكثر من 13 شهرًا من هجوم حماس على إسرائيل في 7 تشرين أول/أكتوبر 2023، أصرت إيران و المليشيات المتحالفة معها في لبنان، سوريا، اليمن والعراق على أنها لن توقف الهجمات على إسرائيل، طالما كانت إسرائيل في حالة حرب في غزة.
لكن الخسائر المُدمرة التي تكبدها الحزب في لبنان، كانت تقلق إيران، كما أفادت وسائل الإعلام الإيرانية بإرتفاع نسبة الإستياء بين أكثر من مليون نازح شيعي لبناني، الذين ينظروا إلى إيران باعتبارها حاميتهم وراعيتهم.
في تقييم غير عادي، قال مهدي أفراز Mehdi Afraz، المُدير المحافظ لمركز أبحاث في جامعة باقر العلوم، وهي مؤسسة إسلامية، تحدث قائلا:
“إن إيران قللت من تقدير القوة العسكرية لإسرائيل، وأن الحرب مع إسرائيل ليست لعبة على بلاي ستيشن”.
خلال حلقة نقاشية في الجامعة، قال:
“أتصل بنا أصدقاؤنا من سوريا وقالوا إن اللاجئين الشيعة اللبنانيين الذين يدعمون الحزب في لبنان، يشتموننا بشدة، أولاً إيران، ثم الآخرين، نحن نتعامل مع الحرب على أنها مزحة”.
أرسل مرشد إيران، الذي أحس بأن بقاء النظام الإيراني في خطر، مُستشارًا كبيرًا، وهو (علي لاريجاني)، إلى بيروت في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر 2024، حيث نقل رسالة إلى قادة الحزب في لبنان، وفقًا لمسؤولين إيرانيين، نصها:
“لقد حان الوقت لقبول وقف إطلاق النار و إنهاء الحرب، وستساعد إيران حزب الله في إعادة البناء وإعادة التسليح”.
وبعد أقل من 48 ساعة، أعلن لبنان عن إختراق في المفاوضات، حيث وافق الحزب على إبقاء قواته بعيدًا عن الحدود الإسرائيلية، وهو الشرط الذي رفضه في السابق باعتباره غير مقبول.
في الوقت نفسه، واجه المسؤولون الإيرانيون أزمات إقتصادية، وأزمة نقص طاقة محلية مُتزايدة، حيث أعلنت الحكومة الإيرانية عن عمليات قطع للتيار الكهربائي لمدة ساعتين يوميًا، مما أثار غضبًا عامًا، و إتهامات من المُنتقدين بأن صراعاتها الإقليمية باهظة التكلفة بالنسبة للإيرانيين العاديين.
قال الرئيس الإيراني الحالي، مسعود بيزيشكيان، الذي وعد بالتواصل مع العالم لرفع العقوبات و تحسين الإقتصاد، في إجتماع مع مسؤولين في قطاع الطاقة الأسبوع الماضيـ إنه يحتاج إلى إخبار الشعب بصراحة عن وضع الطاقة، و إن البنية التحتية للطاقة في إيران لا تستطيع تلبية إحتياجاتها من الطاقة.
قالت الحكومة الإيرانية، إنها سترسل الدبلوماسي المُخضرم و المفاوض النووي السابق (مجيد تخت روانجي) للقاء مسؤولين من بريطانيا، فرنسا وألمانيا يوم الجمعة، وهي الدول التي رعت، إلى جانب الولايات المتحدة، القرار ضد إيران في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة.
قال ناصر إيماني، المُحلل السياسي المُقرب من الحكومة الإيرانية، في مقابلة مع صحيفة نيويورك تاميز، من العاصمة – طهران:
“لا شك أن هناك رغبة حقيقية في إيران، بين كبار المسؤولين والناس العاديين، لإنهاء التوترات مع الغرب والتوافق معهم، و لا يُنظر إلى التعاون مع الغرب على أنه هزيمة، بل يُنظر إليه على أنه دبلوماسية معاملاتية ويمكن القيام به من موقف قوة”.





